يستعرض كتاب "الفطرية وبعثة التجديد المقبلة" التحديات الحضارية التي تواجه الأمة الإسلامية اليوم، موضحًا أن الصراع لم يعد يقتصر على السياسة أو الاقتصاد، بل أصبح رهانًا على الفطرة الإنسانية نفسها. يهدف المشروع الغربي إلى إضعاف هوية الأمة، وطمس قيمها الدينية والأخلاقية، وجعلها أكثر تقبلًا للهيمنة الثقافية والعولمة الحديثة.
ويرى الكتاب أن الحل يكمن في استعادة الفطرة الإسلامية، وذلك عبر تجديد العمل الإسلامي وفق أسس صحيحة، بحيث يكون متجذرًا في الفطرة، لا مستنسخًا من نماذج سياسية دخيلة. فالمعركة اليوم ليست مجرد معركة بقاء، بل معركة تحرير الإنسان المسلم من أسر العولمة، وإعادته إلى أصله النقي في العقيدة والتصور والسلوك.
بين يدي هذا الزمان
تواجه الأمة الإسلامية هجمة غير مسبوقة على مختلف الأصعدة، حيث تتعرض لضغوط اقتصادية وسياسية وإعلامية وعسكرية، هدفها إضعاف هويتها وطمس معالمها الحضارية. لم يكن غزو العراق، وما سبقه وما تبعه، سوى وجه صارخ للهيمنة الغربية التي تفرض نفسها بلا مواربة.
لكن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في الضغوط الخارجية، بل في التآكل الداخلي الذي أصاب الأمة منذ قرون، مما أدى إلى انهيارها المعنوي وفقدانها الثقة في ذاتها. لقد أصبح المسلم اليوم مُحمّلًا بالهزيمة النفسية، متجاهلًا لمصدر قوته الحقيقية، غافلًا عن كنوز العلاج التي يحملها دينه.
في ظل العولمة التي ألغت الحدود وجعلت العالم ساحة مفتوحة، لم يعد الصراع متعلقًا بالمواقع الجغرافية، بل بالسيطرة على العقول والقلوب. وكما أن العدو يسعى لاستخدام أدواته لصياغة واقع جديد، فإن المستقبل رهنٌ بمن يركب حصان العولمة ويقود دفته، لا بمن يسير خلفه تابعًا.
من الحركة إلى الدعوة
يُبرز الكتاب فرقًا جوهريًا بين مفهوم "الدعوة" ومفهوم "الحركة"، حيث يرى أن العمل الإسلامي يجب أن يستعيد هويته الأصلية كدعوة إلى الله، لا كمجرد "حركة سياسية".
- الدعوة هي المفهوم القرآني الأصيل، الذي يشمل تبليغ رسالة التوحيد، وتصحيح الانحرافات، والعمل على الإصلاح والتجديد في المجتمع الإسلامي.
- الحركة، في المقابل، مصطلح مستورد ذو دلالات سياسية، يركز على التنظيمات الفكرية والنضالات السياسية، وقد يقود إلى تشويه جوهر العمل الإسلامي عبر تضخيم بعض الجوانب وإهمال أخرى.
يرى الكتاب أن الإسلام لم يكن يومًا مجرد مشروع سياسي أو اقتصادي، بل هو رسالة شاملة تحمل منهجًا متكاملًا للحياة. وعليه، فإن إعادة العمل الإسلامي إلى مساره الصحيح يتطلب العودة إلى أسس الدعوة الحقيقية، التي تتجسد في:
- التلقي عن القرآن الكريم بمنهج الأنبياء، حيث يتجاوز الأمر مجرد القراءة إلى التدبر والتزكية والتدارس.
- تصحيح المفاهيم الخاطئة، والتخلص من التأثيرات الفكرية الدخيلة التي حرفت مسار الدعوة.
- تبني خطاب تجديدي يتماشى مع الفطرة، بدلًا من استنساخ تجارب غربية أو أيديولوجيات دخيلة.
الإنسان هو القضية
إن المعركة الحقيقية ليست سياسية ولا اقتصادية، بل هي معركة على الإنسان نفسه، على هويته، وقيمه، وفطرته السليمة. فالرهان الحالي يرتكز على تغيير نظرة المسلم لنفسه ولدينه، بحيث يصبح أكثر انسياقًا للمنظومة الغربية، ويتخلى تدريجيًا عن ثوابته دون وعي.
ومن هنا، فإن الواجب الأكبر للدعوة الإسلامية اليوم هو تحرير الإنسان، لا عبر الشعارات، بل من خلال إعادة تعريفه بذاته وبمعنى وجوده. فحين يعود المسلم إلى فطرته، يصبح قادرًا على مواجهة كل أشكال الغزو الفكري والثقافي.
نقلة نوعية من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام
يركز الكتاب على ضرورة إحداث نقلة نوعية في العمل الإسلامي، بحيث يتحول من كونه "حركة" تسعى لتغيير واقع معين بوسائل سياسية، إلى "دعوة" تعيد بناء الإنسان من الداخل، وفق المنهج الفطري الصحيح.
الفطرية وقضية الدين
يعتبر الإسلام دين الفطرة، أي الدين الذي يتماشى مع الطبيعة البشرية في أنقاها. لكن مع تراكم الأفكار الدخيلة، أصبحت بعض الممارسات الإسلامية محكومة بأنماط مستوردة، مما شوّه جوهرها. لذلك، فإن العودة إلى الفطرة ليست مجرد فكرة نظرية، بل ضرورة عملية لإنقاذ الأمة.
الأركان والمسالك
يضع الكتاب أطرًا واضحة لاستعادة الفطرة الإسلامية، عبر أركان ومسالك محددة، تتمثل في:
- العودة إلى القرآن كمنهج حياة، لا كمجرد نصوص للقراءة أو الحفظ.
- تحرير الفكر الإسلامي من التأثيرات الخارجية، وإعادة بناء العقيدة على أسس سليمة.
- إصلاح النفس والمجتمع من الداخل، بدلًا من اللهاث وراء إصلاحات سطحية مستوردة.
منهج الفطرية
يطرح الكتاب منهج الفطرية كأساس للتجديد الإسلامي، ويؤكد أن أي مشروع إصلاحي لا ينطلق من الفطرة لن يكون قادرًا على إحداث تغيير حقيقي. فهذا المنهج:
- يعيد بناء الهوية الإسلامية من جذورها.
- يضع الإنسان في قلب المشروع الإصلاحي، بدلًا من التركيز على الجوانب السياسية أو الاقتصادية فقط.
- يوفر نموذجًا عمليًا لتحرير الأمة من أسر العولمة الثقافية والفكرية.
خاتمة
يقدم كتاب "الفطرية وبعثة التجديد المقبلة" رؤية تجديدية جذرية، تتجاوز الحلول السطحية إلى إعادة بناء العمل الإسلامي من الأساس. فهو ليس مجرد تحليل نظري، بل دعوة إلى ثورة فكرية قائمة على الفطرة، هدفها تحرير الإنسان، واستعادة الهوية الإسلامية، وإعادة صياغة المستقبل بمنهج أصيل لا يخضع للهيمنة الغربية.
0 مراجعة